في زوايا المدن القديمة، حيث الأزقة تضيق بالحجارة والذكريات، يسكن صمتٌ يشبه الوقار. لا يُشبه هذا الصمت الفراغ، بل هو امتلاءٌ بالأصوات التي مرّت، بالحكايات التي لم تُروَ بعد. هناك، كل جدارٍ يحتفظ ببقايا همسٍ من زمنٍ بعيد، وكل نافذةٍ كأنها عينٌ تراقب الزمن وهو يمرّ ببطء.
المدن القديمة لا تنام، لكنها تعرف كيف تصمت. فالصمت فيها ليس غيابًا للكلام، بل حضورًا للتاريخ. تسمع وقع الخطوات على أرضها وكأنها ترحب بزائرٍ جديدٍ يحمل معها ذاكرة أخرى، تنضم إلى أرشيف الحياة الطويل الذي لا يُمحى.
في تلك المدن، يلتقي الغبار بالضوء، وتتعانق الألوان الباهتة مع رائحة القهوة والكتب. من يعيش فيها يشعر أنه يمشي فوق الحكايات، وأن كل زاوية فيها تحفظ سطرًا من روايةٍ كبرى لم تنتهِ بعد.